سورة العنكبوت - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب} بقولهم {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} [الأنفال: 32] الآية. {وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى} وهو يوم القيامة أو يوم بدر أو وقت فنائهم بآجالهم، والمعنى ولولا أجل قد سماه الله وبينه في اللوح لعذبهم والحكمة تقتضي تأخيره إلى ذلك الأجل المسمى {لَّجَاءهُمُ العذاب} عاجلاً {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ} العذاب عاجلاً أو ليأتينهم العذاب في الأجل المسمى {بَغْتَةً} فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بوقت مجيئه.
{يَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين} أي ستحيط بهم {يَوْمَ يغشاهم العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} لقوله تعالى: {مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر: 16] ولا وقف على {بالكافرين} لأن {يوم} ظرف إحاطة النار بهم {وَيَقُولُ} بالياء: كوفي ونافع، وقوله {ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي جزاء أعمالكم {ياعبادى} وبسكون الياء: بصري وكوفي غير عاصم {الذين ءامَنُواْ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ} وبفتح الياء: شامي يعني أن المؤمن إذا لم يتسهل له العبادة في بلد هو فيه ولم يتمش له أمر دينه فليهاجر عنه إلى بلد يقدر أنه فيه أسلم قلباً وأصبح ديناً وأكثر عبادة، والبقاع تتفاوت في ذلك تفاوتاً كثيراً. وقالوا: لم نجد أعون على قهر النفس وأجمع للقلب وأحث على القناعة وأطرد للشيطان وأبعد من الفتن وأربط للأمر الديني من مكة حرسها الله تعالى. وعن سهل: إذا ظهرت المعاصي والبدع في أرض فاخرجوا منها إلى أرض المطيعين. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجب الجنة» {فَإِيَّاىَ فاعبدون} وبالياء: يعقوب. وتقديره فإياي اعبدوا فاعبدوني. وجيء بالفاء في {فاعبدون} لأنه جواب شرط محذوف لأن المعنى إن أرضي واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها في غيرها، ثم حذف الشرط وعوض عن حذفه تقديم المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص، ثم شجع المهاجر بقوله:


{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} أي واجدة مرارته وكربه كما يجد، الذائق طعم المذوق لأنها إذا تيقنت بالموت سهل عليها مفارق وطنها {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} بعد الموت للثواب والعقاب {يرجعون} يحيى {ترجعون} يعقوب.
{والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُبَوّئَنَّهُمْ مّنَ الجنة غُرَفَاً} لننزلنهم من الجنة علالي. {لنثوينهم} كوفي غير عاصم من الثواء وهو النزول للإقامة، وثوى غير متعد فإذا تعدى بزيادة الهمزة لم يجاوز مفعولاً واحداً. والوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف، أما إجراؤه مجرى لننزلنهم أو لنؤينهم، أو حذف الجار وإيصال الفعل، أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ العاملين} ويوقف على {العاملين} على أن {الذين صَبَرُواْ} خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين صبروا على مفارقة الأوطان وعلى أذى المشركين وعلى المحن والمصائب وعلى الطاعات وعن المعاصي، والوصل أجود ليكون {الذين} نعتا ل {العاملين} {وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ولم يتوكلوا في جميع ذلك إلا على الله، ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلم من مكة بالهجرة خافوا الفقر والضيعة فنزلت {وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ} أي وكم من دابة {وكائن} بالمد والهمز: مكي والدابة كل نفس دبت على وجه الأرض عقلت أم لم تعقل {لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا} لا تطيق أن تحمله لضعفها عن حمله {الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} أي لا يرزق تلك الدّواب الضعاف إلا الله، ولا يرزقكم أيضاً أيها الأقوياء إلا هو، وإن كنتم مطيقين لحمل أرزاقكم وكسبها لأنه لو لم يقدركم ولم يقدر لكم أسباب الكسب لكنتم أعجز من الدواب التي لا تحمل. وعن الحسن: لا تحمل رزقها لا تدخره إنما تصبح فيرزقها الله. وقيل: لا يدخر شيء من الحيوان قوتاً إلا ابن آدم والفأرة والنملة {وَهُوَ السميع} لقولكم نخشى الفقر والعيلة {العليم} بما في ضمائركم.


{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر} أي ولئن سألت هؤلاء المشركين من خلق السماوات والأرض على كبرهما وسعتهما، ومن الذي سخر الشمس والقمر {لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ} فكيف يصرفون عن توحيد الله مع إقرارهم بهذا كله! {الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} أي لمن يشاء فوضع الضمير موضع {من يشاء} لأن {من يشاء} مبهم غير معين فكان الضمير مبهماً مثله. قدر الرزق وقتره بمعنى إذا ضيقه {إِنَّ الله بِكُلّ شَئ عَلِيمٌ} يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم. في الحديث: «إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك» {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله} أي هم مقرون بذلك {قُلِ الحمد لِلَّهِ} على إنزاله الماء لإحياء الأرض أو على أنه ممن أقر بنحو ما أقروا به ثم نفعه ذلك في توحيد الله ونفى الشركاء عنه ولم يكن إقراراً عاطلاً كإقرار المشركين {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} لا يتدبرون بما فيهم من العقول فيما نريهم من الآيات ونقيم عليهم من الدلالات، أو لا يعقلون ما تريد بقولك الحمد لله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8